يُمثِّل قطاع المواصلات الأرضي ركيزة أساسية لجميع الدول، ويمكن من قياس جودته الاستدلالُ على قوة الدولة الاقتصادية ومستوى الرفاهية فيها.

وينتج من النمو السكاني المستمر في شتى أنحاء العالم توسُّع هذا القطاع، وضخٌ متزايد للمركبات في الشوارع التي يقدر عددها عالميّاً بنحو 1.4 مليار مركبة خفيفة وثقيلة. ويصب هذا التزايد الزيت على النار في ما يتعلق بتحدي الاحتباس الحراري الذي يمثل أحد أهم التحديات التي تواجهها البشرية على مدى القرون، فبحسب بعض الإحصائيات العالمية في عام 2020، تمثل الانبعاثات الضارة الناشئة عن قطاع المواصلات الأرضي نحو 11 في المئة من مجمل الانبعاثات في العالم. وفي هذا السياق، تسعى الحكومات إلى الاستغناء التدريجي عن المركبات التقليدية التي تعمل بالطاقة الأحفورية، واستبدال السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة بها.

وقد نجحت هذه المساعي في زيادة عدد السيارات الكهربائية في العالم، فبحسب منظمة الطاقة العالمية، وصلت أعداد هذه المركبات لما يقرب من 17 مليون مركبة في عام 2021، ومن المتوقع أن تصل إلى 350 مليون مركبة بحلول عام 2030. ولإنجاح مشروع التحوُّل هذا وديمومته، تؤكد المنظمة أهمية ضخ الاستثمارات اللازمة لبناء شبكة شحن للسيارات الكهربائية سريعة وقادرة على تلبية احتياجات مستخدمي هذه المركبات على اختلاف أنواعها.

وتقدِّر المنظمة عدد الشواحن المتوافرة في العالم في عام 2021 بـ 16.7 مليون شاحن، منها نحو 15 مليون «خاصة»، وهي الشواحن الموجودة في المنازل، والمستشفيات، والمراكز التجارية، وأمَّا المتبقية فهي «عامة»، وتُعرف عادة بمحطات الشحن السريع، والموجودة في أغلب الأحيان على الطرق السريعة بين المدن. وفي هذا السياق، من الأفكار المبتكرة التي تلقى اهتماماً متزايداً من المهندسين والأكاديميين الشحنُ اللاسلكي للسيارات الكهربائية.

وكما يوحي الاسم، لا يحتاج هذا النظام إلى كابلات لتزويد بطاريات السيارات بالطاقة، بل تُستخدم الموجات الإلكترومغناطيسية لهذا الغرض. ولهذه التكنولوجيا مزايا عدة تزيد من قبول المستهلك وتدفعه للتحول إلى السيارات الكهربائية، وأوّلها أتمتة عملية الشحن، من دون تدخل أي عامل بشري، إذ يقوم الشاحن الموجود تحت سطح الأرض برصد وجود المركبة، ومن ثم التواصل مع نظامها الإلكتروني لبدء عملية الشحن تلقائيّاً بعد توقفها وذهاب السائق إلى قضاء أعماله. وهذه الخاصية مهمة جدّاً، ولا سيما السيارات الذاتية القيادة.

والمزية الثانية لهذه التكنولوجيا هي الاستغناء عن الكابلات الثقيلة والمكلفة، والمعرضة للتلف مع كثرة الاستخدام وتقلّب الأحوال الجوية، والتي قد يصعب حملها ووصلها بالمركبة نظراً لوزنها، ولا سيما الشواحن الكهربائية بقوة 100 كيلووات أو أكثر.

وأمَّا المزية الثالثة، فتتعلق بتغيير مفهوم الشحن، وإيجاد سيناريوهات جديدة لم تكن ممكنة من قبل، ومنها ما يُعرف بالشحن «الديناميكي» للسيارات الكهربائية، فباستخدام الموجات الإلكترومغناطيسية أصبح من الممكن شحن السيارة الكهربائية في أثناء تحرّكها في الشارع. وقد طُبّق الشحن الديناميكي فعليّاً على أرض الواقع في أماكن عدة في العالم، منها كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وهنا في الإمارات العربية المتحدة.

ومن المغالطات الشائعة عن نظام الشحن اللاسلكي، بالمقارنة مع الشحن باستخدام الكابلات، هي الظنّ بعدم كفاءته في إيصال الطاقة إلى البطاريات، وهو أمر أثبتت مقالات علمية عديدة عدم صحته. وأخيراً، يسهم التحول إلى السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة في تخفيف الآثار السلبية المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري.

والتزايد الكبير المتوقع لهذه المركبات يتطلب شواحن كهربائية كافية، ومناسبة، وسريعة. ويبرز الشحن اللاسلكي واحداً من الحلول المبتكرة في هذا المجال، كما يزيد من قبول المستهلك للسيارت الكهربائية لما يوفره من مزايا عديدة غير موجودة في نظم الشحن التقليدية.

*أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا.